'فكر القائد عبد الله أوجلان قائم على الديمقراطية والتشاركية والتعددية'
رغم استهداف الأنظمة الرأسمالية للقائد أوجلان، وعزله عن العالم الخارجي، إلا أن فكره وفلسفته قد انتشرا في كافة الأنحاء لاعتبارها حل لجميع القضايا والأزمات التي تعاني منها دول الشرق الأوسط والعالم، وذلك لأنها قائمة على الديمقراطية والتشاركية والتعددية.
مالفا محمد
مركز الأخبار ـ أكدت الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر الدكتورة سحر حسن، على أن تبني العديد من الحركات النسائية أفكار القائد عبد الله أوجلان، وتنظيم نفسها والاعتماد على الكومينات النسوية كبديل للهياكل الذكورية القمعية دليل على تطوير نماذج ديمقراطية تشاركية للنساء.
شهد التاريخ العديد من المؤامرات ضد الحركات والشخصيات التحررية كالمفكرين والأدباء والفلاسفة الساعين لنشر العلم والفكر الحر، كما هو الحال مع الأشخاص البارزين الذين وردت أسمائهم في كتب التاريخ وغيرها وفي الوقت الحاضر كالمفكر والفيلسوف القائد عبد الله أوجلان، الذي طرح العديد من النظريات والأفكار التي من شأنها ضمان حقوق كافة المجتمعات والمكونات.
وحول الأسباب الكامنة وراء استهداف المفكرين والأدباء والفلاسفة الساعين لنشر العلم والفكر الحر، أكدت الباحثة المصرية في التاريخ الحديث والمعاصر الدكتورة سحر حسن، أن تلك ظاهرة ممتدة على مر التاريخ وتعود لأسباب كثيرة متعلقة ومرتبطة بالسلطة وبالمجتمع وبالتحولات الفكرية والسياسية سواءً داخل المجتمع أو على المستوى الإقليمي أو العالمي "يعود ذلك لارتباطه بعدة أسباب منها الفكر الحر الذي يطرحه المفكرين الأحرار".
وأكدت على أن المفكرين الأحرار غالباً ما يشكلون تهديداً للأنظمة السلطوية أو النخبة الحاكمة لأنهم يطرحون أفكار جديدة تدعو للعدالة والمساواة لحقوق الإنسان، والتي من الممكن أن تزعزع استقرار الأنظمة خاصة القمعية والتي تفرض سيطرتها على المجتمع، فعندما يقدم المفكرون رؤيا جديدة تتحدى البنية الاجتماعية أو الدينية أو السياسية التقليدية الموجودة في المجتمع أو القوى المحافظة أو الحاكمة، فتلك القوى تعتبرها تهديد لاستمرارية نفوذها، لذا تسعى لقمعها قبل أن تتجذر في المجتمع.
ونوهت إلى أن تلك الأفكار قد تصطدم في بعض الأحيان مع المعتقدات الدينية أو الاجتماعية السائدة عبر التاريخ، وهو ما يؤدي إلى اتهام بعض المؤسسات الدينية للمفكرين والفلاسفة بالهرطقة أو الزنادقة أو حتى بالفساد الفكري، مما قد يترتب عليه سجنهم أو التخلص منهم، موضحةً أن الأنظمة القمعية كانت تسعى لتشويه سمعة المفكرين عبر وسائل الإعلام والدعاية، من خلال وصفهم بأنهم خونة ويمثلون خطراً على الأمن القومي، وذلك لتبرير استهدافهم أمام المجتمع وللحد من الدعم الشعبي لهؤلاء المفكرين والفلاسفة.
ولفتت إلى أنه في العصر الحديث هناك بعض المفكرين الذين ينادون بتحرير شعوبهم كالقائد عبد الله أوجلان "ينظر إلى هؤلاء المفكرين على أنهم يقومون بتهديد المصالح الجيوسياسية للدول الكبرى أو الإقليمية، لذلك تتواطأ ففي تصفيتهم إما سياسياً أو جسدياً أو تسهم في اعتقالهم ومحاصرتهم، ومحاربة فكرة أن المفكر يصنع عملية تنمية الوعي للشعوب والمجتمعات"، وبالتالي عندما يزيد الوعي في المجتمع ويتعرف الشعب على حقوقه، يبدأ بالمطالبة بإصلاحات وتغييرات، لذا تسعى الحكومات لإسكات أصوات المثقفين "إن استهداف المفكرين ليس مجرد صدفة تحصل في المجتمعات بل جزء من معركة مستمرة بين السلطة والفكر بين الاستبداد والحرية ومع ذلك التاريخ أثبت أنه لا توجد فكرة تُسجن، لأنها دائماً تنتقل بسرعة كبيرة، وعلى الرغم من أن الكثير منهم تم اضطهادهم أو قتلهم، إلا أن أفكارهم لا تزال باقية".
وحول التحليل المعمق للظروف الاجتماعية والسياسية والتاريخية التي تعيشها المرأة، الذي قدمها القائد عبد الله أوجلان، وكيفية تأثيره على الحركات السياسية والاجتماعية في فهم التحديات التي تواجه الشعوب المضطهدة والنضال الذي يخوضونه من أجل حقوقهم تقول "فكر القائد أوجلان أثر بشكل عميق على الحركات السياسية والاجتماعية في المنطقة ككل وليس على أبناء جلدته فقط، حيث ألهم عدد من الحركات في الشرق الأوسط التي تسعى للتحرر من الاستبداد وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الديمقراطية".
وأشارت إلى أن ذلك يعود لعدة نقاط واتجاهات وأبرزها تحليل القائد أوجلان لدور المرأة وإعادة تعريف مكانتها في المجتمع واعتبر أن اضطهادها هو السبب الأساسي لكل أشكال القمع والتمييز في المجتمع، "من خلال هذا الطرح ساهم في تحفيز الحركات النسوية، لتبدأ المرأة بلعب دورها بشكل رئيسي وريادي في عملية النضال السياسي والعسكري في فكرة تحرير المجتمع، لقد تم استوحي مبدأ الحركات التحررية من فكر القائد أوجلان وطرحه لفكرة الكونفدرالية الديمقراطية التي كانت بديلاً للدولة القومية التقليدية".
وعن رؤية القائد أوجلان للسياسة والديمقراطية الساعي لإحداث تغيير جذري في الأنظمة الاجتماعية والسياسية القائمة قالت إن "فكر القائد عبد الله أوجلان بمثابة مشروع بديل لأنظمة القمع والتسلط لأنه قدم نموذج يجمع بين التحرر الاجتماعي الديمقراطي الشعبي والمقاومة ضد الاستبداد والهيمنة، وكان فكره مصدر إلهام للكثير من الحركات في المنطقة التي تسعى للبحث عن نموذج جديد أكثر عدالة ومرونة للتعامل مع التحديات السياسية والاجتماعية على مستوى العالم".
وقالت الدكتورة سحر حسن أن القائد عبد الله أوجلان قد اقترح مفهوم الكونفدرالية الديمقراطية كبديل للدولة القومية وركز على الحكم الذاتي المحلي الديمقراطية وتقبل التعددية الثقافية، والتعايش السلمي والمساواة والعدل، لافتةً إلى أن هذا النموذج كان ملهم لعدد كبير من الحركات السياسية والاجتماعية التي تسعى لتجاوز فكرة الدولة القومية المركزية، خاصةً في مناطق النزاع كإقليم شمال وشرق سوريا "تم تطبيق نموذج يعتمد على الإدارة الذاتية والتعايش السلمي المشترك بين الجنسين في مختلف المكونات العرقية والدينية في إقليم شمال وشرق سوريا".
ونقد القائد أوجلان الرأسمالية الحديثة العالمية باعتباره أحد أهم أشكال الاستعمار الحديث ورأى أن الحل يكمن في بناء أنظمة مجتمعية مستقلة تعتمد على اقتصاد مجتمعي وتعاوني، وهذا الطرح أثر على العديد من الحركات التي تسعى للتحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية للأنظمة الكبرى، كما عمل فكره على تعزيز الهوية الثقافية والقومية فبدلاً من تبني قومية شوفانية ركز على الهوية الثقافية والاعتراف بحقوق الشعوب المضطهدة ضمن أطر ديمقراطية كما أوضحت الدكتورة سحر حسن.
وحول الأسباب الكامنة وراء انتشار فكر القائد أوجلان في كافة أنحاء الشرق الأوسط والعالم والاهتمام بالنموذج الديمقراطي الذي طرحه وكيفية استفادة النساء من النقد الشامل للنظام العالمي الرأسمالي والاستعمار والإمبريالية الذي قدمه، تقول "قدم القائد عبد الله أوجلان الدعم للنساء للمشاركة في صنع القرار سواء في القرارات السياسية أو الاقتصادية أو المجالات الاجتماعية، كما أكد على أهمية نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية الحرة التشاركية التي تمنح المرأة أدواراً قيادية حقيقية، لذلك أصبحت أفكاره مصدر إلهام للحركات النسائية في العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط، حيث ركز على تمكين المرأة وأكد أنه لا يمكن تحرير المجتمع ما لم تتحرر المرأة".
وأشارت إلى أن "النساء لعبن دوراً رئيسياً في تجربة الإدارة الذاتية بإقليم شمال وشرق سوريا كتأسيس وحدات حماية المرأة وكذلك المنظمات المدنية النسوية"، لافتةً إلى أن القائد أوجلان ذكر في كتاباته أن المرأة الحرة تعني كردستان حرة، وقد استفادت النساء من نقده للنظام العالمي بشكل كبير لأنه أعاد تعريف المجتمع بدور المرأة "القائد أوجلان أعطى للنساء أداة فكرية للمطالبة بحقوقهن والنضال ضد الأنظمة الذكورية، وقد بدأت العديد من الحركات النسوية التي تتبنى أفكار مشابهة لأفكاره بالتنظيم والاعتماد على الكومينات النسوية كبديل للهياكل الذكورية القمعية، وهذا دليل على تطوير نماذج ديمقراطية تشاركية للنساء، ومن خلال تطبيقه وتجربته في الأنظمة الديمقراطية التي تتضمن مشاركة المرأة في صنع القرار ولهم عدد كبير من الحركات النسوية العالمية التي تسعى لتطبيق نماذج مشابهة في بلادها".
وأكدت على أن الحركات النسوية في الكثير من الدول تأثرت بفكر القائد أوجلان في مقاومة الأنظمة القمعية الذكورية التي تستغل المرأة والقوانين التي تعزز العنف ضدها "القائد عبد الله أوجلان لم يقدم نقد للنظام العالمي الرأسمالي فقط، إنما طرح كذلك نموذج بديل أعطى فيه للمرأة دوراً محورياً في بناء المجتمع وقد كان تأثيره واضح بشكل كبير من خلال تطبيقه بإقليم شمال وشرق سوريا، ليمتد تأثيره لدول أخرى ولعدة حركات نسوية في العالم وأصبح مصدر إلهام لمناهضة القمع والتمييز وتعزيز الديمقراطية الحقيقية في المجتمعات كافة".
وأضافت أنه من خلال نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية وفرض قوانين تضمن مشاركة المرأة في جميع مستويات الحكم ويكون لكل منصب إداري قيادي رجل وامرأة وتأسيس تنظيمات نسوية مستقلة مثل منظمة المرأة الحرة ووحدات حماية المرأة، والتي أتاحت للنساء للعب دور الدفاع عن النفس وعن المجتمع وإلغاء قوانين تميز بين الجنسين والقضاء على فكرة تعدد الزوجات والزواج القسري وتعزيز حقوق المرأة "بدأ الفكر النسوي الثوري يتطور بشكل كبير وأصبح للمرأة صوت أقوى في القضايا السياسية الاجتماعية والاقتصادية ما جعل تجربتها يعد نموذجاً للحركات النسوية العالمية".
وعن تأثر المجتمع التركي بفكر القائد أوجلان قالت سحر حسن "تأثرت العديد من المنظمات النسوية في تركيا بفكر القائد أوجلان ونشأت أحزاب سياسية تضع حقوق المرأة في صلب برامجها كحزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتمد على نظام الرئاسة المشتركة بين الجنسين، كما أن الكرديات ناضلن ضد القوانين القمعية التي تحاول الحد من دورهن السياسي في البلاد واعتقل عدد منهن بسبب نضالهن من أجل حقوق المرأة والمجتمع".
ولفتت إلى أنه بالرغم من التحديات التي كانت موجودة في الشرق الأوسط إلا أن الحركات النسوية هناك قد تأثرت بفكر القائد أوجلان في فكرة التنظيم الذاتي ورفض التبعية للسلطة الذكورية "ظهرت مبادرات نسوية ترتكز على بناء مجتمعات نسائية مستقلة وداعمة، وفي إيران شاركت النساء في انتفاضات واسعة ضد القوانين القمعية واستلهمت بعض الحركات النسوية نهج المقاومة الذاتية التي طرحها القائد أوجلان وكذلك في لبنان والعراق، ازدادت وتنامت الحلقات النسوية التي تدعو لتحرر المرأة من القوانين الذكورية وبدأت تنتشر أفكار نسوية تحررية، حتى أن بعض الحركات النسوية العالمية نظمت مؤتمرات لدعم تجربة ثورة المرأة بإقليم شمال وشرق سوريا كنموذج لتحرير المرأة، وبالتالي وصلت لمستويات متقدمة في تطبيق أفكار القائد أوجلان".
وحول الأفكار التي طرحها القائد عبد الله أوجلان أكدت أن تلك الأفكار هي الحل للقضية الكردية ولمشاكل الشرق الأوسط "أن الفكر القائد أوجلان من الممكن أن يساعد في حل كل المشاكل الموجودة في المنطقة لأنها حلول قائمة على الديموقراطية والتعايش السلمي بين القوميات المختلفة مع الحفاظ على هوية كل قومية في إطار موحد قائمة على تشاركية وتعددية وبالتالي فهي أفكار مهمة يجب أن توضع محل الاهتمام".